والحال أنه منذ أبريل-نيسان سنة 2001، لجأت موريتانيا إلى خصخصة قطاع الاتصالات، نظرا لما يتطلبه تحديث القطاع من إمكانات وخبرات لا تملكها البلاد فى الوقت الحالي. لكن ما يحمد لها فى هذا الباب، أنها لجأت إلى فتح باب شراكة مع شقيقاتها المغاربية، بخاصة أن شركة اتصالات المغرب حصلت على نسبة %54 بالمئة من اسهم اتصالات موريتانيا، الشركة الأم.
إذ لا يخفى أن أرقام الاتحاد الدولى للاتصالات، يضعها فى ذيل الترتيب من حيث التغطية، فموريتانيا إلى حدود سنة 2004 لم تكن تتوفر على أكثر من 39.000 خط ثابت، أى ما يعادل 1،31 بالنسبة لكل 100 مواطن. ومن ثم، يمكن القول أن نتائج الخصخصة بتعاون مع جيرانها المغاربيين، انعكست فى مجال هذا القطاع إيجابا وسريعا، حيث يلاحظ تسجيل ارتفاع فى مجال الهاتف النقال بلغ 17،53 بالنسبة لكل 100 مواطن "2004". كما يمكن القول أن طرح رخص الهاتف النقال للبيع فى القطاع الخاص، سمح باقتسام السوق الموريتانية الواعدة من قبل شركتين، الشركة الأولى "Mattel" تجمع بين شراكة تونسية موريتانية من جهة، أما الشركة الثانية "Mauritel"، فتضم شراكة مغربية موريتانية تسيطر اتصالات المغرب على %54 بالمئة منها.
وعلى الرغم من المجهودات التى تبذلها موريتانيا فى إطار هذه الشراكة المغاربية الواعدة، تظل تكنولوجيا المعلومات بعيدة عن اهتمامات مجتمع بدوى وقبلي، تتحكم فيه الثقافة الشفهية وعادات وتقاليد صحراوية ما زالت نافذة ومستحكمة حتى بنخبه الحضرية. ذلك أن عدد الحواسيب الموجودة، لم تتعدى 42.000 حاسوب بالنسبة لثلاثة ملايين نسمة، حيث لا يفوق مستعملى الشبكة 12.000 ألف مستعمل سنة 2004.
الآفاق المغاربية المشتركة
بإيجاز شديد، إن الإحصاءات الاقتصادية التى حاولنا جمعها، تفسح المجال إلى مقاربة منهجية تنكب على محاولة تأويلها واستنباط ما بها من نتائج وتداعيات سلبا أم إيجابا على المجتمعات المغاربية وآفاق تطورها المأمول. هذا دون التعرض بالنقاش إلى المنطلقات السياسية والأيديولوجية التى تتحكم فى الاختيارات الوطنية بكل بلد.
فهذا ما لا يسمح به المقام هنا، لكن الأساس هو محاولة فهم سبل مقتضيات التنمية الاجتماعية والمعرفية فى الموجة الثالثة من الرأسمالية بعامة، وكيف ننطلق من هذه المعلومات والأرقام فى الإجابة على إشكالية اقتصاد المعرفة فى بلدان المغرب العربى بخاصة.
أولى الحقائق، ثمة إمكانيات كبيرة بين كل من المغرب وتونس والجزائر وليبيا فى مجال تكنولوجيا المعلومات والتواصل، لو تم تجميعها والتوفيق بين حاجياتها المختلفة ستوفر من دون شك كثير من الجهد والمال معا، كما يتضح من الأرقام الآنفة الذكر. وبذلك نستخلص جملة من الإشكاليات والعراقيل التى تشترك فيها بلدان المغرب العربى الأربعة مناصفة:
-تظل حجم تكلفة المعدات المعلوماتية وفواتير الاشتراك عائقا فى وجه تطور هذا القطاع، سواء تعلق الأمر بتسهيل الربط بشبكة الإنترنت أو تطوير الخدمات الهاتفية.
-أغلب المراكز التلفونية عفا عليها الزمن وما زالت تستخدم تقنية تناظرية "analogique"، علاوة على أن مجمل البنيات التحتية تظل عتيقة فى مجملها.
-تظل خدمة الهاتف بشقيه فى المجال القروى ضعيفة، أما حضور الإنترنت فهو محصور فى مجال حضرى وغائب شبه كلى داخل المدار القروي.
-بغاية رفع تحدى اللحاق بركب مجتمع اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات والتواصل، لا بد من خصخصة قطاع الاتصالات فى جميع بلدان المغرب العربي، أو على الأقل بحث سبل شراكة مع الاستثمارات الأجنبية تسهل تحديث القطاع وعصرنته بعامة، كما الحصول على التكنولوجيا المتطورة بخاصة.
-لا ننسى أن نضع فى قلب جميع هذه النقاط، الرهان على الموارد البشرية الذى تحيط بتكوينها وإعدادها رهانات استراتيجية كبرى، فإعداد المهارات والكفاءات والتقنيين والمهندسين بشكل مستمر ومنتظم، لا غنى عنه مطلقا فى اقتصاد المعرفة.
-لا يخفى أن ما يبرر الاهتمام بتكنولوجيا مجتمع المعلومات والتواصل، كونها رافعة أساسية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. علاوة على أن جميع الخيارات والبرامج الموضوعة غايتها الأساسية تلافى حدوث فجوة رقمية مع البلدان المتقدمة واحتلال موقع قدم فى الساحة الدولية.
-إن تكنولوجيا المعلومات والتواصل أصبحت وسيلة عمل فى شتى الميادين، علاوة أنها أداة معرفة يتوقف عليها مستقبلنا فى جميع الميادين الحيوية.